الأربعاء، 4 فبراير 2015

واحة المطوية

واحة المطوية

 

لضمان عيشه استغل المطوي محيطه الطبيعي في مختلف أغراضه الحياتية وشكلت الواحة بدرجة أولى والتي تنقسم وعلى غرار شواطئ المطوية حسب عروش القرية الفضاء الأرحب لمساعدته على إيجاد العناصر الضرورية لتوفير قوته اليومي فتمتنت علاقته مع ٌ الغابة ٌ التي أغدقت عليه عطاءا وفيرا وخيرات متنوعة خاصة وأن مصادر المياه المتعددة التي تحتضنها الواحة كان لها دور المساهمة في انتعاشة القطاع الفلاحي بهذه الربوع .

واعتبارا لما يشكله النشاط الفلاحي من عنصر ضروري وحيوي لكافة الكائنات ساهم الماء في ظهور العديد من الحضارات بفضل حسن استخدام الإنسان لعقله في البحث والكشف عن مقومات حياته الأساسية ، ولتأمين مصدر رزقه التجأ الإنسان إلى استنباط أنجع الطرق لتوفير مصادر المياه الصالحة للشراب والري وبأساليب مختلفة مكنته من تحقيق هذه الرغبة الملحة في تقرير مصير حياته فتوفق في إيجاد مصادر للمياه تكون مؤمنة لإحتياجاته المتنوعة من ري أرضه وشرابه اليومي ولأهمية الماء في هذه الربوع وصل عدد مصادر المياه من عيون وآبار ارتوازية بواحة المطوية وما جاورها إلى أكثر من عشرين منبع خلال النصف الأول من القرن الماضي وكانت واحة المطوية تضم أكثر من عشرين مصدر مياه وهي عيون النعجة – القديمة – الجديدة – الكرمة (عرفت بالرقايقة) – الملاحة – الشويقي – الحمراية – دار طاهر – دار الفقير – الرمل – الغيرة – بن عثمان – الجمهورية – الهنشير - الشقاف – الألوف ( نخيلة فرحات ) – الصامت – بوعدوس – القملة – سيدي هريش – سيدي مبارك – العوينة – البوجي – سيباستيان – الحمارة – الطويلة – السد – بورافع – عمران – النعجة – دار الثوير ..............

ومن الدلائل القاطعة على وفرة كميات المياه بواحة المطوية ما تعرضت إليه قرية الماية القديمة المنتصبة بأطراف الواحة من تكاثر النشع والمياه الراكدة التي شكلت خطرا محدقا بصحة المتساكنين والبيئة مما أفرز انتشار بعض الأمراض في صفوف هؤلاء المواطنين وخاصة الرمد ، ولعل أن المياه الراكدة كانت سببا في توفير المادة الأولى لصناعة الصمار وهو ما دفع بهذه الصناعة إلى تواصلها عبر الأجيال.

وظلت واحة المطوية عبر حقب زمنية ماضية وإلى يومنا هذا مورد رزق للمستقرين حولها لما لها من دور أساسي في الحياة الإقتصادية والإجتماعية إلى جانب جمال مظهرها الطبيعي ومساهمتها الفاعلة في المحافظة على التوازن البيئي . وقد وصف أحد الرحالة المطوية بأنها قرية بإفريقية في نخل وجنات ومياه جارية وهي غابة نخيل جميلة وموقعها بين البحر والجبل والسهول الزراعية وجوها صحي ويعود أصل تسمية المطوية إلى أن عينا بالبلدة كانت سابقا ممرا للقوافل التجارية المتنقلة بين قابس والقيروان فدنت يوما ناقة من إحدى القوافل وقصدت العين لتطفئ ظمأها فغرقت فسميت العين بـ ٌعين المطية ٌ ثم حرفت بعد ذلك فأصبحت تعرف باسم المطوية وما تسمية المهرجان بإسمها إلا دليل على أهمية العين في حياة أهالي المطوية.

وفي إطار التعاون والتكافل الإجتماعي تعد الخدمات الفلاحية سمة متميزة لعلاقات المطويين وان شارك بعضهم في أعمال مختلفة فانهم لا يتقاضون أجرا ومن لم يتوفق في القيام ببعض الأعمال الفلاحية أوجلها فلن يخيب ظنه في استجابة أحد الجيران أو الأقارب أو غيرهم من المطاوى لدعوتهم إلى مشاركته في إعداد الأرض أو عند الزراعة أو الري،ويمكن له أن يستلف الدابة من أحدهم لحمل المواد العضوية المستعملة في إثراء التربة أو المنتوج الفلاحي ، بالبيعومن الطرق التقليدية المميزة في واحة المطوية التي تتميز بتقلص المساحات داخلها من جيل لآخر بسبب الوراثة ورغم صغر حجم هذه القطع فقد تشبث بها الورثة ولم يفوتوا فيها السقي بـ" القيدوس " الذي بواسطته يتم ضبط فترات الري بإنصاف بين الفلاحين ولا تنحصر عملية السقي في النهار فقط بل تقام أيضا في الليل خاصة أثناء فصل الصيف حيث تحتاج المزروعات السقوية مزيدا من الماء.ومن جاءه دوره عند الري وهو متواجد خارج المطوية فلا يتردد جاره عن القيام بري أرضه أثناء غيابه.

وفي المجال الثقافي تعد الواحة مصدر إلهام العديد من الأدباء والشعراء لإنتاجهم النثري والشعري وقد جاءت ندوة ٌ أدب الواحة ٌ ضمن فعاليات مهرجان العين بالمطوية تأكيدا على دور الواحة في إثراء زاد المولعين بالمجال الأدبي والفكري.و شكلت واحة المطوية أيضا ميدانا فسيحا لممارسة شباب المنطقة العديد من الألعاب الشعبية كـ " البل " وتسلق الأشجار وغيرها من الألعاب الأخرىكما استغل الشباب العيون الجارية لتعاطي هوايته الخاصة بالسباحة والغطس داخل هذه العيون.وأثناء إقامة حفلات الأعراس تستقبل الواحة إثر إقامة "الصفبمنزل العروسة ٌ قصعة العريس ٌ التي أحيطت بمجموعة من الشباب صحبة الطبال والزكار وذلك لتناول ما لذ من الطعام (كسكسي العرس). 

ومن المنارات الثقافية والدينية التي مازالت قائمة داخل الواحة الزوايا (سيدي عبدالقادرسيدي عبد السلامسيدي بن عيسى ) وقد تميزت هذه الزوايا بظاهرة الحضاري استقطبت عديد المتساكنين للفرجة والإستماع كما استغلت هذه الزوايا ككتاتيب لتعليم القرآن والكتابة.ولئن حافظت زاويتا سيدي عبد القادر وسيدي عبد السلام على الصمود وهما تستقطبان العديد من المواطنين للزيارة والتبرك وخاصة النساء من داخل المطوية وخارجها كغنوش مثلا فان زاوية سيدي بن عيسى آلت إلى الإندثار ولم يبق منها إلا النزر القليل من بنايتها

وتبقى التمور التي لا تقل أهمية عن تمور جهة الجريد من حيث القيمة الغذائية من أهم منتوجات الواحة حيث تستمر النخلة شامخة ورمزا للحياة والعطاء اللامحدود وكما يقول المثل الشعبي ٌ بلاد النخله ما تخلى ٌ فقد مرت على البلاد التونسية سنوات حرجة خاصة في الثلاينات اتسمت بالجفاف والمجاعة ولم تتأثر المطوية ومتساكنوها بهذه الأزمة ويذكر المناضل محمد الصالح جراد أنه عندما حاول الكوميسار الفرنسي عبثا انتزاع تراجعه عن الإنتماء للحركة الوطنية بشراء ضميره ووطنيته لأنه رجل ذو عائلة كبيرة العدد ولا ثروة له ونصحه بالتراجع عن فكرته ومطالبة الحكومة بما يحقق له راحة البال رد قائلا : أنا وعائلتي رزقها على الله مضمون وإن قدر لها أن تذوق ألم المجاعة بعدي فعندها شجرة النخيل تشرب حليبها مع شيء من سويقة الشعير .

ويمثل موسم جني التمور بواحة المطوية مناسبة لتجنيد العائلات بصغيرها وكبيرها مستبشرة بهذا الحدث الهام إذ يعد المحصول ذخيرة لأيام الشدة كما يدخل في عادات أهالي المطوية الغذائية اليومية يصعب الإستغناء عنه لإنعدام مثيل له.وتمثل التمور وخاصة ٌ البوحطم ٌ سلاحا واقيا أثناء فترة الجفاف والمجاعة لسهولة خزنه وحفظه لمدة طويلة وهو ما جعل العائلات في المطوية تحرص على خزنه في ٌ الخوابي ٌ للإستهلاك اليومي وعند الحاجةوقد برهنت العادات الغذائية التقليدية عن إستمراريتها بتجسيدها في القيمة الرمزية للأغذية .ومن المميزات المحلية التي تختص بها المطوية وغيرها من المناطق المجاورة اعتماد تغذية الأهالي على التمور طازجة وجافة .ففي كل منزل كانت خابية أو أكثر جاثمة في إحدى زوايا بيت ٌالمونة ٌ كما حرص الأهالي على ادخار غلة الرمان وذلك بجمعها في شكل باقات تعلق بسقف البيوت ،علما وأن هذه الغلة تبقى صالحة للأكل لفترة طويلة مع محافظتها على نكهتها ولذتها المعهودةوقد ساهمت هجرة بعض أهالي المطوية للإقامة بتونس العاصمة أو الإستقرار بأماكن عديدة من البلاد التونسية في التعريف بمنتوجات واحة المطوية وغيرها مما تنتجه المنطقة و ذلك عن طريق المقايضة أي أنهم يتبادلون ما جلبوه من القرية كالتمور وبعض المنسوجات الصوفية بالحبوب أو بما يحتاجونه من حاجيات أخرى.وكان التمر الغذاء الرئيسي عند سكان الصحراء وهو ما جعلهم أقوياء البنية وطوال القامة إضافة إلى ما يتمتعون به من مناعة ضد الأمراضوقد سمي التمر بحلوى الرحمان وكان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يقول في بعض أحاديثه الشريفة : بيت لا تمر فيه جياع أهله .وللتمر خاصيات طبية عديدة فهو يساعد المرأة الحامل على تهدئة حالتها العصبية عند الولادة بكل يسر وهو ما جعل الله سبحانه يفضل أن يكون التمر الغذاء المناسب لسيدتنا مريم عليها السلام عندما جاءها المخاض لمساعدتها على الولادة 

 

البشير التيجاني الرقيقي

 

واحة المطوية
رسالة أحدث
السابق
هذه اخر مشاركة.

شاهد ايضا