الأربعاء، 6 مايو 2020

المطوية بين عبق التاريخ

المطوية بين عبق التاريخ

 

إن انعدام مصادر التوثيق المكتوبة التي تهم حيثيات تاريخ المطوية يجعل البحث أو قراءة هذا التاريخ غير مكتمل وربما مرده تواضع عدد المتساكنين في هذه المنطقة مما جعل المطوية غير ملفتة لنظر الرحالة والمؤرخين والمهتمين بتدوين التاريخ عموما أو أن هذه القرية لم تكن في موقعها الحالي ضمن مسلك كان بعيدا عن وجهة الرحالة .ومع ندرة هذه المصادر فقد عثرنا على نزر قليل من المراجع التي تعود إلى فترة ما قبل احتلال بلادنا فالمستعمر الفرنسي بادر بإجراء استكشاف جغرافي لتأمين ظروف إقامة جيوشه من توفير الماء والأراضي الخصبة ضمانا لإحتياجاته المعيشية اليومية. لقد تميزت جهة قابس على مر العصور بفترات تاريخية هامة أنفردت بتداول حضارات مختلفة مازالت بصماتها قائمة إلى يومنا هذا خاصة وأن الرومان ركزوا اهتمامهم على المناطق الساحلية لتعاطي التجارة البحرية والأنشطة الفلاحية نظرا لقرب هذه المناطق من الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة،

فقد عرفت مدينة قابس منذ القديم بمينائها البحري قبل أن تعرف بالواحة والذي يعد محطة تجارية هامة ساهمت في تنشيط الحركة التجارية بين المدينة وقرطاج وتمويل السوق الإفريقية بشتى البضائع والمنتوجات الفلاحية التي تبرز في الحرير والموز والتمر والعنب وقصب السكر والخوخ وغيرها وأن اسم خليج قابس الذي كان يسمى سرت الصغرى يعود ظهوره لأول مرة إلى سنة 1570 م.

ونتساءل هل كانت المطوية تابعة للسلطة الرومانية آنذاك ؟ خاصة إذا علمنا أن الرومان ركزوا اهتمامهم على المناطق الساحلية لتعاطي التجارة البحرية والفلاحة البرية ونظرا لطول ساحل المطوية البحري الذي يصل إلى قرابة 30 كلم وقرب المطوية لقابس فإن قيام حضارة لهذا العهد غير مستبعدة بالمرة.وقد جاء في كتاب ٌ المفكرة والوثائق حول الطرق الإستراتيجية والإحتلال العسكري للجنوب التونسي في العهد الروماني أن ( طرف الماء-Lacene - : دار الفجانية ) مدينة بحرية ذات أهمية قليلة تركزت على ضفتي واد الرخامة ، هذه المنطقة اكتسبت ميناء طبيعيا صغيرا يمنح أيضا مخبأ متميزا لمراكب صيادي الشاطئ

وعن العوينات - Ad Palmam - يذكر أنها محطة حيث لم نجد سوى بعض الآثار وعبارة اعتمدت على افتراض تواجد واحة بهذا الموقع خلال العهد الروماني.فكم تبعد طرف الماء عن المطوية ؟ وما هي المسافة الفاصلة بين طرف الماء والعوينات ( Ad Palmam )

أولا من خلال ما جاء في كتاب G c de la province romaine يقول صاحب المؤلف أن الستة أميال المسجلة بين لاسين وآد بلمام تقودنا بالضبط من طرف الماء إلى واحة العوينات القريبة من المطوية حيث نجد بعض الأنقاض القديمة والتي يمكن اعتبارها حينئذ كآخر محطة في طريق طينة تكاب والعوينات على مسافة 12 ميل من قابس.؟ وعبر الصفحة 400 من كتاب ٌ المفكرة والوثائق حول الطرق الإستراتيجية والإحتلال العسكري للجنوب التونسي في العهد الروماني أشار المؤلفون إلى أن قرى وذرف والمطوية وتبلبو لا تضم أنقاضا قديمة وأنها لم تكن قد خلفت كتلا رومانية أو بيزنطية وتمثلت الآثار الوحيدة المكتشفة إما أنشطة فلاحية وإما حصون أو مراكز عسكرية . وهذه الإشارات المنتسبة للعهد الروماني تبرز العلاقة الوطيدة بين هؤلاء الرومان والبحر وخدمة الأرض فليس من الصدفة أن تنتصب العديد من الواحات بجهة قابس وفي ذلك أبعاد اقتصادية لتنشيط حركة التصدير عبر النشاط التجاري البحري.

واعتبارا لطول ساحل المطوية البحري ( 30 كلم ) وقرب المطوية لمدينة ٌ تكابس ٌ فلا يستبعد بالمرة قيام حضارة رومانية بالمطوية . وعلى غرار ما شهدته منطقة العوينات (Ad Palmam) وشواطئ المطوية كالرخامة وحيدوس من شواهد قديمة مازالت صامدة من حجارة ضخمة وبقايا من الحيطان امتدت هذه الوثائق التاريخية إلى واحة المطوية من خلال الإكتشاف الأثري الهام الذي تم تسجيله سنة 1987 في المطوية وتحديدا ربوة غنيدر شمال واحة المطوية التي تشكل محطة تاريخية هامة في ماضي المطوية التليد وتمثلت هذه العينات المكتشفة في أفران الطين وشذرات من لوحات فسيفساء وقطع من الرخام مختلفة الألوان والأشكال والأحجام . ومن بين العينات التي تم العثور عليها أيضا نوع من القرميد أحمر اللون والمرجح أن أثرياء ذلك العهد استعملوه في تزيين منازلهم. وهذه المكتشفات تتطلب دراسة معمقة لتحديد قيمتها الحضارية وفترتها التاريخية نظرا لتعطش كل مطوي لمعرفة تاريخ منطقته العريقة.

ويصف محمد عبدالمنعم الحميري في كتابه ٌ الروض المعطار ٌ (وهو من رجالات أواخر القرن السابع هجري وأوائل القرن الثامن هجري) المطوية بأنها قرية بإفريقية في نخل وجنات ومياه جارية . ونوجه بالدعوة إلى المعهد الوطني للتراث للتسريع في القيام بالبحوث الميدانية حول المواقع الأثرية بالجهة لتمكين الأجيال من التعرف على خصائص مدينتهم التاريخية والحضارية .

البشير التيجاني الرقيقي

 


المطوية بين عبق التاريخ

شاهد ايضا