الجمعة، 15 مايو 2015

قصة كار حشيشة

كان المستقرون من أبناء المطوية في العاصمة يرسلون إلى أهاليهم في القرية الأموال نقدا ومختلف الحاجيات الأخرى بواسطة الحافلة التي يطلقون عليها اسم " كار حشيشة " نسبة إلى لقب سائق أول حافلة دخلت المطوية. وكانت سفرات الحافلة يومية وهو ما جعلهم يكلفون أحدهم بمهمة " الأمين " وهي مهمة يقتضي الاضطلاع بها الانتقال بين مسقط الرأس المطوية والعاصمة لإيصال الأمانات.

وإذا تجمع الأطفال والنساء في " المنشر " حيث تنتصب المحطة بعد الواحدة زوالا فإنهم ينتظرون قدوم الحافلة من العاصمة فمنهم من يرتقب أحد الأقرباء ومنهم من ينتظر هدية أو رسالة من الأب أو من الزوج والكل يكونون في شوق لوصول " كار حشيشة " لعلها تأتيهم بما جاؤوا من اجله. وما إن يسمعوا صوت منبه الحافلة حتى يندفع الأطفال صائحين وتتوقف "الكار" ليترجل الركاب وينزل "الأمين" الأمتعة التي أوكل إليه أصحابها توزيعها على ذويهم وتختلط التحية بشتى الأسئلة حول الصحة وظروف العمل والإقامة والأهل والغابة. ويحلق الجميع حول "الأمين " ليسلمهم ما اؤتمن عليه فإن لم يتمكن من توزيع كل " الصرر " في ذلك اليوم تحفظ البقية لدى الحاج خليفة بالطيب الذي يتولى تسليمها بنفسه إلى أصحابها في الأيام الموالية ويكون على كل " صرة " اسم المرسل إليه. ولا يقضي " الأمين " أكثر من ليلة واحدة سواء في المطوية أو في تونس العاصمة فهو يغادر القرية اليوم ليعود إليها من الغد. ومن أطرف ما ذكره لنا السيد عبد العزيز الحاج سالم عن أبيه أن هذا الأخير تجمع لديه مبلغ مالي قدره ألف دينار فإلتجأ إلى خياطة ٌ قشابيته ٌ واضعا المبلغ بين أجزائها لتجنب لفت نظر الطامعين.

وعلى غرار مهمة ٌ الأمين ٌ بالحافلة تولى المرحوم المبروك حاج عبدالله القيام بالمهمة نفسها على متن القطار. و نظرا لبعد المسافة الفاصلة بين المطوية ومحطة القطارات بالعوينات كان يستعمل الكريطة المدفوعة لنقل الأمتعة وتوزيعها على أصحابها.

ولا تتوقف أمانة " المطاوة " على البضائع فحسب بل تتجاوزها إلى الحريم في السفر فإن كانت بين المسافرين نسوة يلقين الاحترام والتبجيل من قبل الجميع و إذا تعذر على إحداهن معرفة عنوان ما فلا يتردد أي مطوي في مساعدتها.

 

البشير الرقيقي

قصة كار حشيشة

شاهد ايضا