السبت، 16 مايو 2015

قصة بوسكينة

لم يجد المستعمر الفرنسي الإطمئنان لدى أهالي المطوية وهو ما جعل باب الإستقرار موصدا أمامه في القرية التي يعتبرها مقرا غير آمن. وما دام الأهالي عازمين على التصدي والمواجهة ونبذ الإستسلام فالقوات الفرنسية بدورها لم تتراجع عن محاصرة القرية من حين لآخر لاستفزاز متساكنيها وبث الرعب والرهبة في نفوسهم وما تجنح إليه من استعمال أساليب قمعية لم تؤت أكلها كما كان يتصوره الفرنسيون، هذه السياسة التعسفية لم تفلح في إخماد نار التحدي والعصيان لدى المطاوى ولتنظيف القرية من المقاومين التجأت إلى الإعتقالات الغير المبررة التي لم تزد الأهالي إلا إصرارا على تحدي قوة الحديد والنار.

والمستعمر باعتباره دخيلا على هذا الوطن يمكنك التعرف عليه بسهولة فهو ظاهر للعيان ومكشوف، أما ابن بلدك الذي يخونك ويغدر بوطنه فيصعب التعرف عليه في الوقت المناسب لكن إن كنت وطنيا وتمكنت من العثور عليه فنهايته ستكون على يديك لا محالة وبما أن كل حركة تحريرية لا تخلو في نضالها من خونة يخدمون مصالح أعدائها فقد ظهر بالمطوية خائنان وقد وقعت حادثتاهما بين 1885م و 1888م .

الخائن الأول من أصل مطوي انقطع في الجزائر وتربى بها وتطوع في الجيش الفرنسي, ولما رجع إلى المطوية نصبوه على رأس مشيختها وكلفوه في طليعة عمله بإحصاء الشبان الصالحين للخدمة العسكرية لتجنيدهم في الجيش الفرنسي, ثم ذهب إلى تونس لإحصاء الشبان المطويين المقيمين بها, ونظرا للخطر المحدق بشباب القرية عزم المجاهدون على الاقتصاص من هذا الخائن فاستقر رأيهم على حتفه وإراحة المواطنين من شره أثناء اجتماع سايروه في كنف السرية. ونظرا لتردد الخائن كثيرا على قرية غنوش متنقلا على دابة اعترض سبيله محمد بن إبراهيم بن إبراهيم صحبة اثنين في المكان المعروف بوادي المالح وبعد أن تمكن الاثنان من إحكام شد وثاقه استل محمد بن إبراهيم سكينة وذبح الخائن ولذلك أطلق عليه اسم "بوسكينة" ورغم أن القوات الإستعمارية تمكنت من القبض عليه لينال عامين سجنا فقد التزم طيلة هذه المدة بالتكتم وسلك نهجه كثيرون بالمحافظة على سر هذه الفعلة رغم ما تعرض إليه من تعذيب وإهانة.

ولنقرأ ما جادت به قريحة ابنته فاطمة حول هذه الحادثة وإبراز حالة العائلة النفسية :

الربطة طالت وتقاسيت الربطة طالـــــــــــــــت

في حبس المظلم تنسيت الربطة طــالــــــــــــــت

ولاقتني عيشة صفراء وجهها مستلبـــــــــــــــس

قالتلي يا بابا ها الرومي على من يفركــــــــــــس

يفركس على سيدك ئسيدك في الرجلة يحمــــــس

يحمس في الرجلة ويفركس وين ماشي أجلـــــــــه

اللي يحضر أجله يحصله وكان يظلي عفريــــــت

هاني ماشي انكد وفي الظهرة لقاني احمـــــــــــــد

شافني تكمد وشيعته بالعين وامشيـــــــــــــــــــــت

كيف فات ابعد وخنقتني العبرة وابكيـــــــــــــــــت

ما بين الأعياد عطشان وصايم رمضـــــــــــــــــان

جابلي شرنان وصوت بوشة كان عييـــــــــــــــــت

طوق دوخانة ومن فقري كيف الكبريــت

يا سود أنظاره وفي كبدي شعلت كبـــــاره

أمنين اوصلنا جاره عرضتني نصيب بناويــــت

غني بغرارة وعلى وجهي حتى فديـــــــــــت

محروق ومن ثمة وصلنا للســـــــوق

شفت المخلوق ودنكست عيوني وامشيت

كيف المشنوق وفي الرقبة داروله خيط

داخ الكمباس ومن ثمة وصلنا الحباس

جابلي مقياس وفي يدي قالي يواتيك

وأقفاله نحاس ضرب دز جابني في البيت

حبس المظلم ومن المغرب بقه يتماشى

نادوا مريم ترجيه تفرش له فراشه

تفرش لي فراشي وما كانش خلوني ماشي

شيئ ما طقتاشي لا فتيلة ولا ثمة زيت

بايت مهموم ولا رقدت ولا جاني نوم

ولا قدرت نقوم وطحت على جنبي اتكيت

في الثالث يوم جابو لي خبيزة بالزيت

زيتهم عجرم وما فيشي ما نطعم

غير من الهم خذيت انتيشه واتكيت

قدر واحكم وفي رأسي ماذا عديت

وجعوني الذرى اللي قعدوا همال هتايا

ففي نهار العيد وكاينهم قاعدين كبايا

لا لبسوا جديد في جرودهم قاعدين عرايا

يا كسر ذراعي يا صالح قلتش بابايا

نفتل مقلاعي وخلوني نمشي للماية

نمشي للماية ونهز الفيتوري معايا

تفرح داده تقول سعدي راجل وليت

يا سيدي العين حبيبك ما تعمل من دونه

وينهم الأحباب ووين الناس اللي يبغونا

أغدوا هراب الكل ما عادوش يجونا

في الحبس انفوك لاك شويه ولا افتفيتة

هازز مقرونه نهار الأعظم اندير لكم صيط

ما عادش انكد ومن ثمة ضربوا العرب

قالوا هزوا الكلب وجابولي سباييس امشيت

قدروا حكم وفي راسي ماذا عديت

الخائن الثاني تولى منصب مشيخة المطوية ونظرا لجوره وظلمه العلني إذ كان بلاء على قومه بقدر ما كان مخلصا لسلطة الإحتلال قرر الأهالي التخلص منه نهائيا باغتياله وتم ضبط خطة لتنفيذ العملية, حاصره مجموعة من الفدائيين وسط بطحاء البل،, ولئن انفلت من قبضة أحدهم في الوهلة الأولىليحتمي بطلع النخلة بعد أن فر صاعدا إليها فاقتفى فدائي أثره وصعد حتى أدركه وقتله بسكين "الحجامةفهوى يتخبط في دمائه، وكالعادة لم تظفر سلطة الإحتلال بالقاتل ولم تعثر له على أثر بفضل ما اتسم به الأهالي من اتحاد واخلاص.

 

 

البشير الرقيقي

قصة بوسكينة

شاهد ايضا