الصحفي الشيخ محمـد صالح جـراد
انطلق شغفه بالكتابة و الصحافة المكتوبة منذ شبابه فمواكبته لمشاغل
المواطنين و الأحداث السياسية بالبلاد مكنته من تحرير المقالات المستفيضة في الصحف
الوطنية وقد جمعت هذه المواضيع التي نالت إعجاب القراء بين محاور اجتماعية وأخلاقية
و سياسية لها صلة بمستقبل البلاد... واهتمت كتاباته أيضا بالمشاغل الطلابية نظرا
لمساندته لحركات الطلبة الإصلاحية في الحصول على مطالبها المشروعة.
وقد تمكن من إصدار كتابه " تونس في جهادها أو مذكرات مبعد
سياسي" و ما تضمنه هذا الكتاب من فضح لأعمال الاستعمار الفرنسي و أساليبه
القمعية ضد الوطنيين المنفيين في "برج البوف " الذي غدا مأوى ومنفى
لرجال تونس و علمائها و أطبائها و أدبائها وأساتذتها. وإظهار هذا التأليف للعموم
مرده إخلاص الشيخ محمد الصالح جراد وحبه لأبناء وطنه العزيز بعد مقاساة أتعاب جمة
وعقبات أمكن له اجتيازها بما عرف عنه أبناء الوطن من العزم الحديدي و الإرادة
الصلبة إضافة إلى تجاوزه الظروف الحالكة التي استحكمت فيها أزمة المال و الطباعة.
وفي سنة 1950 تمكن الشيخ محمد الصالح جراد من إصدار جريدته الأسبوعية " العواصف" على نفقته الخاصة وهو صاحب الإمتياز ورئيس تحريرها معا.
وفي سنة 1950 تمكن الشيخ محمد الصالح جراد من إصدار جريدته الأسبوعية " العواصف" على نفقته الخاصة وهو صاحب الإمتياز ورئيس تحريرها معا.
وتركز محتوى هذه الجريدة على الوقوف على معاناة الشعب التونسي
عموما ومتساكني جهة الأعراض بالجنوب التونسي خصوصا أيام الاحتلال الفرنسي فتحت
عنوان" قابس : جريمة شنيعة" كتب رئيس الجامعة الدستورية عبدالله جراد
:"رسالة برقية وجهت إلى جلالة الملك المعظم وإلى المعتمد بالسفارة العامة :
مستاؤون من الجريمة التي ارتكبتها الجندرمة بقابس و من الاستنطاق القاسي ضد المرأة
فاطمة بنت صرخة حتى قتلت بسجن الجندرمة بقابس, نحتج بشدة ضد هذا الإعداء الفظيع
ونطالب أن تتدخل العدالة سريعا في هذا العمل الغير إنساني."
لقد ضاعفت السياسة الاستعمارية الفرنسية مسيرها في الطريق الذي
تعودت السير فيه غير حاسبة للعواقب حسابها في زمن أصبحت فيه مبادئ العصر دستورا
تسير على ضوئه الأمم لإيجاد روح المحبة واستئصال جذور الحقد المتغلغلة في أعماق
القلوب بما أصاب أصحابها من ظلم فادح مصدره السياسة الاستعمارية المنتهكة لكل حرمة
والعابثة بكل شرف العدوة لكل فضيلة الناكثة لكل عهد.
ولم يتجاوز إصدار جريدة " العواصف " العدد التاسع نظرا
للعراقيل التي واجهت صاحبها والمكائد التي حيكت ضده لإعجازه ماديا وبالتالي إجباره
على توقيف إصدار الجريدة, وعن الصعوبات البيتة التي تعرض إليها تحدث الشيخ محمد
الصالح جراد في رسالة مفتوحة موجهة إلى الكاتب العام للحزب الحر الدستوري الأستاذ
صالح بن يوسف هذا نصها :"حضرة الكاتب العام للحزب الأستاذ صالح بن يوسف
المحترم أما بعد : يؤلمني والله أن تجبرني الظروف على الخروج من صمت آليت على نفسي
ملازمته وبالأخص في مثل هذه الظروف بسبب الأعمال الدنيئة التي يقوم بها البعض ممن
ينتسبون إليكم وما هم في الحقيقة إلا أعداء وطنهم وشعب ينتسبون إليه، لقد أراد
هؤلاء إعجازنا من الناحية المادية لتقف العواصف عن العمل الجدي في ميدان متسع
الأرجاء فسيح الجوانب بين شعب مضطهد يريد الحياة والاستعمار المتجبر وجهلوا أو
تجاهلوا ما لصاحب العواصف من صلابة في الحق وقوة معنوية له يخوض بها غمار الكفاح
والمعارك في ميادين خلقت لأمثاله مرفوع الرأس موفور الكرامة.
رحم الله شيخنا محمد الصالح جراد فقد كان وطنيا مخلصا ناصرا للحركة
الوطنية من أول أيامها عبر القلم والنضال وهو ما يجعل من الواجب على كل من يذكر
تاريخ الحركة أن لا يغبطه حقه وينساه اليوم وقد تحقق الاستقلال.
البشير التيجاني الرقيقي
البشير التيجاني الرقيقي