محمود الدريدي و الأديب محمد العروسي المطوي
محمود الدريدي
المقاوم محمــود الدريـــــدي
لعب أبناء المطوية دورا متميزا
في النضال الوطني سواء في مسقط الرأس المطوية أو خارجها وخاصة في مدينة الحاضرة
فكانوا مناضلين صادقين ساهموا في نشر الفكر السياسي وتأطير الأفراد والجماعات في
الأحزاب والفرق الدستورية والكشفية التي كانت رائجة في المطوية كما لم يترددوا في
الدعم المالي لهذه الحركات المناهضة لتواجد المستعمر الفرنسي على أرض بلادنا. فمنذ
نشأتهم تربى أبناء المطوية على التشبع بالروح الوطنية وقد جبل الأهالي على مناصرة
كل من يظهر وطنية صادقة ونية جلية في الدفاع عن الوطن والاستبسال في سبيله وكان
لأبناء المطوية دور بارز في نشاط الحركات الوطنية بتونس العاصمة بالخصوص. ونحاول
في كل مرة التعرض إلى إسهامات أبناء المطوية في الحركات الوطنية وبروزهم على
الساحة الوطنية في المجالات الثقافية والأدبية وغيرها لتمكين الأجيال الصاعدة من
التعرف على سجلات الأجداد والآباء الحافلة بالبطولات والأمجاد.
وقد عكست مضامين هذه الصفحات
المضيئة في تاريخ الحركات الوطنية دور هؤلاء الوطنيين في مقاومة الإستعمار الفرنسي
والدفاع عن بلادهم متحدين ما ينتظرهم من معاناة وما ينجر عنها من تأثيرات اجتماعية
ونفسية على أفراد العائلة فتعرضهم إلى شتى أنواع التعذيب والقمع المادي والمعنوي
لم يثن عزمهم على معانقة دربهم النضالي أيام الإحتلال الفرنسي من أجل استقلال
بلادنا والذود عن كرامة شعبها .
ورغم تقدمه في السن حيث يبلغ عمره 84 سنة أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية مازالت ذاكرته تحتفظ بصور ناصعة وحافلة بمشاهد معبرة عما تعرض إليه محمود الدريدي من ممارسات قاسية أفرزت في نفسه آلاما حادة مازالت راسخة في ذهنه إلى يومنا هذا ولم تمح بصماتها رغم طول السنين وسرعان ما تتغير ملامح وجهه فتنكمش أساريره وتفيض عيناه دموعا لتنسكب مدرارا على وجنتيه ويتوقف عن سرد التفاصيل الضافية فيلتزم برهة من الصمت الرهيب وكأني بمحمود الدريدي يعيش اللحظة ذاتها لحظة سماعه بالخصوص للحكم المسلط عليه من طرف المحكمة العسكرية بتونس وهو الإعدام وعندها صلى على نفسه صلاة الجنازة لكن من كان مع الله فلن يخيب أبدا حيث تجلت مشيئة الله وقدرته فتغيرت لحظة اللظى والموت إلى لحظة السرور والحياة وتجدني مضطرا للتوقف برهة من الزمن لأعيش معه تلك اللحظات المضيئة في تاريخ تونس بكامل تفاصيلها رغم أني من مواليد فترة استقلال البلاد .
ورغم تقدمه في السن حيث يبلغ عمره 84 سنة أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية مازالت ذاكرته تحتفظ بصور ناصعة وحافلة بمشاهد معبرة عما تعرض إليه محمود الدريدي من ممارسات قاسية أفرزت في نفسه آلاما حادة مازالت راسخة في ذهنه إلى يومنا هذا ولم تمح بصماتها رغم طول السنين وسرعان ما تتغير ملامح وجهه فتنكمش أساريره وتفيض عيناه دموعا لتنسكب مدرارا على وجنتيه ويتوقف عن سرد التفاصيل الضافية فيلتزم برهة من الصمت الرهيب وكأني بمحمود الدريدي يعيش اللحظة ذاتها لحظة سماعه بالخصوص للحكم المسلط عليه من طرف المحكمة العسكرية بتونس وهو الإعدام وعندها صلى على نفسه صلاة الجنازة لكن من كان مع الله فلن يخيب أبدا حيث تجلت مشيئة الله وقدرته فتغيرت لحظة اللظى والموت إلى لحظة السرور والحياة وتجدني مضطرا للتوقف برهة من الزمن لأعيش معه تلك اللحظات المضيئة في تاريخ تونس بكامل تفاصيلها رغم أني من مواليد فترة استقلال البلاد .
نشأتـــــــــه:هو محمود بن علي بن محمد بن الدريدي شهر ببوشهوة
لبروز شهوة في وجهه وتدعى أمه مبروكة بنت المختار بن رابح ويرجع نسبه إلى عرش
الشرفاء بالمطوية.ولد يوم 24فيفري 1927 بالمطوية ،وكبقية أبناء قريته الراغبين في
الحصول على امتلاك سلاح مقاومة الجهل وفك رموز الأمية دخل محمود الدريدي كتاب مسجد
سيدي علي الشريف أين حفظ نصيبا من القرآن الكريم وتعلم مبادئ الكتابة والقراءة
بإشراف الشيخ الشتيوي بن منصور وأنجب أبوه من أمه مبروكة ستة أبناء وهم حسب التدرج
العمري : محمد ،محمود،المبروك،عائشة،عمران ، فاطمة.
انضم إلى صفوف تلاميذ المدرسة
الإبتدائية العربية الفرنسية (المكتب أو الكوليج سابقا ومدرسة شارع بورقيبة حاليا)
وتوج مشواره الدراسي بهذه المؤسسة التربوية بالحصول على ما يضاهي مستوى الشهادة
الأبتداِئية .
وغادر المدرسة نهائيا خلال سنة 1940 إثر الحرب العالمية الثانية و يغادر مسقط رأسه المطوية وعمره لا يتجاوز 14 سنة إلى تونس العاصمة بحثا عن شغل يساهم به في تحسين الدخل الأسري ويؤمن لقمة العيش الكريم لأفراد عائلته فعمل لدى ابن خالته من الأم يسمى علي بن حامد كعامل في متجره المعد لبيع الخضر والغلال لفترة معينة ثم في سوق سيدي البحري ليصبح فيما بعد يعمل لحسابه الخاص كبائع متنقل بإستخدام البرويطة .
وغادر المدرسة نهائيا خلال سنة 1940 إثر الحرب العالمية الثانية و يغادر مسقط رأسه المطوية وعمره لا يتجاوز 14 سنة إلى تونس العاصمة بحثا عن شغل يساهم به في تحسين الدخل الأسري ويؤمن لقمة العيش الكريم لأفراد عائلته فعمل لدى ابن خالته من الأم يسمى علي بن حامد كعامل في متجره المعد لبيع الخضر والغلال لفترة معينة ثم في سوق سيدي البحري ليصبح فيما بعد يعمل لحسابه الخاص كبائع متنقل بإستخدام البرويطة .
زواجــــه :
عقد زواجه بتونس لدى عدلين على لطيفة بنت العيادي بن صالح بن أحمد
بن عياد يوم 14 فيفري 1955 فتوج هذا الزواج بإنجاب ثمانية أبناء وهم سلوى / محمد
علي / روضة / إبراهيم / نورالدين / إلياس/ ألفة / سفيان
وقد تم انتداب محمود الدريدي
يوم 11 جوان 1956 كحاجب بمحكمة القضاء العليا بتونس من طرف وزارة العدل.
نشاطـه النضالـي والحزبـي: منذ طفولته كثيرا ما يتملكه حس وطني وشعور غريب لديه خلال ما يتردد على مسامعه مما يرويه شيوخ القرية من قصص بطولية لأبناء المطوية وما أظهره هؤلاء الوطنيون من مقاومة شرسة لصد دخول الإستعمار إلى المطوية سنة 1881 كما جالت بخاطره ما توصل إليه المطاوه من ابتكار سلاح تقليدي يمكنهم من الدفاع عن الموطن وأهله ويتمثل في صنع مدفع ٌ الخروب ٌ حيث ساهم دويه إثر اطلاقه في إصابة القوات المعادية بحالة من الذعر والهلع والارتباك في صفوف جنودها الذين حاولوا في عديد المرات بسط نفوذهم والسيطرة على الأراضي وما يحمله شريط مخيلته أيضا من صور لمشاهد مفزعة عما تقترفه القوات العسكرية الفرنسية من جرائم متعددة في حق التونسيين من تنكيل وإهانة واعتداء على الحرمات والممتلكات وكذلك المسيرة الشعبية الني شهدتها أهم شوارع العاصمة يوم 9 أفريل 1938 إلى جانب انبهاره بما سمعه أيضا من أخبار حول نشاط الحركة الوطنية و رموزها وقد سنحت هجرته من مسقط رأسه المطوية إلى تونس العاصمة سنة 1941 للإشتغال هناك من تقريب هذا الاهتمام لديه فبادر بالإنضمام إلى الحركة الوطنية منضويا في صفوف الشبيبة الدستورية وقد استحسن ما يرتديه الشباب الدستوري و ووطنية حميدة حاج علي وهو ما مهد له فتح طريق النشاط السياسي والنضال الوطني.
لقد ساهم انتصاب جيوش المحور بالبلاد التونسية في الفترة الممتدة بين شهر نوفمبر 1942 وشهر ماي 1943 في إستفادة التونسيين بتواجدها لمحاربة جيوش الحلفاء وذلك بتكثيف الحزب الحر الدستوري الجديد من عقد الإجتماعات وتنظيم المظاهرات المناهضة لتواجد الاستعمار ورموزه. ونظرا لما أظهره محمود الدريدي من وطنية صادقة وقوة فولاذية في الدفاع عن الوطن كلفه الحزب بالإشراف على مراقبة الحواجز المنتصبة داخل الشوارع لمنع السيارات العسكرية الفرنسية من المرور عبرها وكان كثيرا ما يردد في نفسه وكأني به يخاطب التونسيين قائلا : أرقد يا شعبي عندك أشكون يدافع عليك .
وقد شهدت الفترة الحاسمة للحركة الوطنية الممتدة بين 1952 و 1955 انضمام العديد من التونسيين ومنهم عدد هام من أبناء المطوية إلى الجناح العسكري للحزب الحر الدستوري الجديد وكان محمود الدريدي حريصا على المشاركة في المظاهرات حيث بادر بالانضمام إلى مظاهرة حاشدة انطلقت من أمام جامع الزيتونة وعلى اثر اعتقال الزعيم الحبيب بورقيبة يوم 18 جانفي 1952 بغية قضاء القوات العسكرية الفرنسية على نشاط الحركة الوطنية حيث كان إيقاف بورقيبة كان بمثابة الاشارة لاندلاع الثورة المسلحة في البلاد التونسية اتصل محمد بن عبد الله بن المعلول جراد بمحمود الدريدي مستفسرا إياه عن امكانية وجود أسلحة بحوزته فرد عليه بالإيجاب, وذكر له أن الحزب يريد مزيد التحرك والغليان ضد الفرنسيين وأهدافهم. واستجابة لدعوة الحزب قرر محمود الدريدي تفجير مركز الشرطة بباب سويقة فاستعد لتنفيذ هذه المهمة بكل شجاعة وبعد أن تجاوز مقهى دار جراد دخل نهج السيدة "بسيسة" الذي يفضي إلى نهج باب سويقة وما إن سار في اتجاه مركز الشرطة حتى لفت انتباهه وجود شرطي شاهر سلاحه وهو منتصب أمام باب المدخل الرئيسي للمركز وكان ظن محمود أن هذا الشرطي سيطلق النار عليه لا محالة, كما جال بخاطره أن أحدهم وشى به, وفي الحين غير وجهة مسلكه غير عابئ بما يجري حوله. ودخل جامع "سبحان الله" فخبأ القذيفة داخل الميضأة ثم صلى ركعتين و غادر الجامع وعند مروره من أمام المقهى "الزراس" التقى ببلحسين جراد وعلي بوعين شهر بوشليقة كانا جالسين تحت حائط المقهى فسأله أحدهما عن مصير تفجير مركز الشرطة فرد عليه محمود بأن الوقت لم يحن بعد. ورغم قرب موعد فرض حضر للتجول داخل المدينة أصر محمود على تنفيذ مخطط تخريبي ما مما يمكنه من النيل من رموز المستعمر و آلياته،فعاد أدراجه نحو جامع ٌٌُ سبحان الله ًًٌَُُ واسترجع القذيفة وواصل سيره, و عند خروجه من زنقة "الكبدة" لمح آلة حربية وهي عربة مصفحة يمتطيها جنود فرنسيون انتصبوا فوقها في صفين ويتوسطهم رشاش "سكيش" ودون ترك الفرصة تمر ألقى محمود القذيفة على العربة العسكرية التي انفجرت في الحين ولاذ بالفرار دون أن يتمكن أحدهم من اللحاق به ويلازم منزل خالته خديجة بنت محمد الأحول الكبير لبعض الأيام لإبعاد الشبهة عنه وبعيدا عن عيون الجواسيس الذين يترصدونه ويمنون أنفسهم بالقبض عليه .
ولما قبض على البشير جراد اتصل بمحمود شاب تظهر عليه علامات الفتوة والنشاط والحماس لمشاغبة المستعمر يدعى حميدة بن مبروك الحاج المكي طالبا منه بكل إلحاح مشاركته في تنفيذ المهمات التخريبية فوعده بذلك شريطة أن يمتحنه أولا فقبل حميدة هذا الشرط بكل رحابة صدر وناوله محمود مفرقعا لتفجير المدرسة الابتدائية بمجاز الباب وفعلا نجح في إصابة الهدف المحدد ومن ذلك الحين اطمأن إليه محمود وأصبحا لا يفترقان عن بعضهما.
وكان يعتمد محمود الدريدي في الحصول على المفرقعات من المترددين على العاصمة من أبناء الجنوب الذين كثيرا ما يجلبون معهم قنابل يدوية من مخلفات القوات العسكرية الألمانية أو يقوم بتصنيعها محليا ويحرص بنفسه على توزيعها بين المقاومين . ونظرا لما يشكله الكوليزي من فضاء تجاري وترفيهي يرتاده الأجانب من فرنسيين وغربيين خطط محمود الدريدي لتفجيره ورغم انتشار القوات العسكرية الفرنسية بكثافة حول أهم الشوارع والأنهج المؤدية إلى هذا الفضاء نجح محمود في إلحاق أضرار مادية جسيمة بهذا المبنى الفاخر ولم تتمكن حشود البوليس من اللحاق به .
نشاطـه النضالـي والحزبـي: منذ طفولته كثيرا ما يتملكه حس وطني وشعور غريب لديه خلال ما يتردد على مسامعه مما يرويه شيوخ القرية من قصص بطولية لأبناء المطوية وما أظهره هؤلاء الوطنيون من مقاومة شرسة لصد دخول الإستعمار إلى المطوية سنة 1881 كما جالت بخاطره ما توصل إليه المطاوه من ابتكار سلاح تقليدي يمكنهم من الدفاع عن الموطن وأهله ويتمثل في صنع مدفع ٌ الخروب ٌ حيث ساهم دويه إثر اطلاقه في إصابة القوات المعادية بحالة من الذعر والهلع والارتباك في صفوف جنودها الذين حاولوا في عديد المرات بسط نفوذهم والسيطرة على الأراضي وما يحمله شريط مخيلته أيضا من صور لمشاهد مفزعة عما تقترفه القوات العسكرية الفرنسية من جرائم متعددة في حق التونسيين من تنكيل وإهانة واعتداء على الحرمات والممتلكات وكذلك المسيرة الشعبية الني شهدتها أهم شوارع العاصمة يوم 9 أفريل 1938 إلى جانب انبهاره بما سمعه أيضا من أخبار حول نشاط الحركة الوطنية و رموزها وقد سنحت هجرته من مسقط رأسه المطوية إلى تونس العاصمة سنة 1941 للإشتغال هناك من تقريب هذا الاهتمام لديه فبادر بالإنضمام إلى الحركة الوطنية منضويا في صفوف الشبيبة الدستورية وقد استحسن ما يرتديه الشباب الدستوري و ووطنية حميدة حاج علي وهو ما مهد له فتح طريق النشاط السياسي والنضال الوطني.
لقد ساهم انتصاب جيوش المحور بالبلاد التونسية في الفترة الممتدة بين شهر نوفمبر 1942 وشهر ماي 1943 في إستفادة التونسيين بتواجدها لمحاربة جيوش الحلفاء وذلك بتكثيف الحزب الحر الدستوري الجديد من عقد الإجتماعات وتنظيم المظاهرات المناهضة لتواجد الاستعمار ورموزه. ونظرا لما أظهره محمود الدريدي من وطنية صادقة وقوة فولاذية في الدفاع عن الوطن كلفه الحزب بالإشراف على مراقبة الحواجز المنتصبة داخل الشوارع لمنع السيارات العسكرية الفرنسية من المرور عبرها وكان كثيرا ما يردد في نفسه وكأني به يخاطب التونسيين قائلا : أرقد يا شعبي عندك أشكون يدافع عليك .
وقد شهدت الفترة الحاسمة للحركة الوطنية الممتدة بين 1952 و 1955 انضمام العديد من التونسيين ومنهم عدد هام من أبناء المطوية إلى الجناح العسكري للحزب الحر الدستوري الجديد وكان محمود الدريدي حريصا على المشاركة في المظاهرات حيث بادر بالانضمام إلى مظاهرة حاشدة انطلقت من أمام جامع الزيتونة وعلى اثر اعتقال الزعيم الحبيب بورقيبة يوم 18 جانفي 1952 بغية قضاء القوات العسكرية الفرنسية على نشاط الحركة الوطنية حيث كان إيقاف بورقيبة كان بمثابة الاشارة لاندلاع الثورة المسلحة في البلاد التونسية اتصل محمد بن عبد الله بن المعلول جراد بمحمود الدريدي مستفسرا إياه عن امكانية وجود أسلحة بحوزته فرد عليه بالإيجاب, وذكر له أن الحزب يريد مزيد التحرك والغليان ضد الفرنسيين وأهدافهم. واستجابة لدعوة الحزب قرر محمود الدريدي تفجير مركز الشرطة بباب سويقة فاستعد لتنفيذ هذه المهمة بكل شجاعة وبعد أن تجاوز مقهى دار جراد دخل نهج السيدة "بسيسة" الذي يفضي إلى نهج باب سويقة وما إن سار في اتجاه مركز الشرطة حتى لفت انتباهه وجود شرطي شاهر سلاحه وهو منتصب أمام باب المدخل الرئيسي للمركز وكان ظن محمود أن هذا الشرطي سيطلق النار عليه لا محالة, كما جال بخاطره أن أحدهم وشى به, وفي الحين غير وجهة مسلكه غير عابئ بما يجري حوله. ودخل جامع "سبحان الله" فخبأ القذيفة داخل الميضأة ثم صلى ركعتين و غادر الجامع وعند مروره من أمام المقهى "الزراس" التقى ببلحسين جراد وعلي بوعين شهر بوشليقة كانا جالسين تحت حائط المقهى فسأله أحدهما عن مصير تفجير مركز الشرطة فرد عليه محمود بأن الوقت لم يحن بعد. ورغم قرب موعد فرض حضر للتجول داخل المدينة أصر محمود على تنفيذ مخطط تخريبي ما مما يمكنه من النيل من رموز المستعمر و آلياته،فعاد أدراجه نحو جامع ٌٌُ سبحان الله ًًٌَُُ واسترجع القذيفة وواصل سيره, و عند خروجه من زنقة "الكبدة" لمح آلة حربية وهي عربة مصفحة يمتطيها جنود فرنسيون انتصبوا فوقها في صفين ويتوسطهم رشاش "سكيش" ودون ترك الفرصة تمر ألقى محمود القذيفة على العربة العسكرية التي انفجرت في الحين ولاذ بالفرار دون أن يتمكن أحدهم من اللحاق به ويلازم منزل خالته خديجة بنت محمد الأحول الكبير لبعض الأيام لإبعاد الشبهة عنه وبعيدا عن عيون الجواسيس الذين يترصدونه ويمنون أنفسهم بالقبض عليه .
ولما قبض على البشير جراد اتصل بمحمود شاب تظهر عليه علامات الفتوة والنشاط والحماس لمشاغبة المستعمر يدعى حميدة بن مبروك الحاج المكي طالبا منه بكل إلحاح مشاركته في تنفيذ المهمات التخريبية فوعده بذلك شريطة أن يمتحنه أولا فقبل حميدة هذا الشرط بكل رحابة صدر وناوله محمود مفرقعا لتفجير المدرسة الابتدائية بمجاز الباب وفعلا نجح في إصابة الهدف المحدد ومن ذلك الحين اطمأن إليه محمود وأصبحا لا يفترقان عن بعضهما.
وكان يعتمد محمود الدريدي في الحصول على المفرقعات من المترددين على العاصمة من أبناء الجنوب الذين كثيرا ما يجلبون معهم قنابل يدوية من مخلفات القوات العسكرية الألمانية أو يقوم بتصنيعها محليا ويحرص بنفسه على توزيعها بين المقاومين . ونظرا لما يشكله الكوليزي من فضاء تجاري وترفيهي يرتاده الأجانب من فرنسيين وغربيين خطط محمود الدريدي لتفجيره ورغم انتشار القوات العسكرية الفرنسية بكثافة حول أهم الشوارع والأنهج المؤدية إلى هذا الفضاء نجح محمود في إلحاق أضرار مادية جسيمة بهذا المبنى الفاخر ولم تتمكن حشود البوليس من اللحاق به .
اعتقالـــه: ونظرا لخطورة ما تعرضت إليه المصالح الفرنسية وأهدافها
التجارية كثفت القوات الفرنسية جهودها في القيام بعمليات تفتيش واسعة في صفوف
المواطنين وتمكنت من القبض على محمود الدريدي ليلة السادس من مارس 1952 بعد أن
داهم البوليس الفرنسي مقر إقامته بوكالة محمود بن حتيرة ورغم محاولته الفرار من
قبضة أعوان الجندرمة عبر نافذة صغيرة فقد تم الإمساك بمحمود الدريدي واعتقاله إلى
جانب عدد من رفاقه المنتمين لمجموعة محمد جراد وهم البشير جراد وعبدالله الصغير
وخليفة بن الغنوسي وصالح عبد الحميد بتهمة الإجرام والتخريب وإحالتهم على المحكمة
العسكرية ورغم ما لاقاه محمود الدريدي من معاملة سيئة من طرف المحقق فقد اعترف بما
نسب إليه إلا أنه أصر على عدم كشف أسماء الأشخاص الذين يتعامل معهم عند قيامه
بعمليات التخريب وحكم عليه بالإعدام ونظرا لقساوة هذا الحكم بادر محمد الأصفر جراد
بجلب عميد المحامين الفرنسيين من باريس لمحاولة التخفيف من هذا الحكم الجائر وفعلا
توفق هذا العميد في اقناع المحكمة بإستبدال الحكم الصادر ضد محمود الدريدي بالمؤبد
. وبعد القبض على محمود الدريدي وجماعته واصل حميدة بن مبروك الحاج المكي تنفيذ
العمليات من حين لآخر وقد كون خلية مماثلة تتركب من محمد حتيرة والتهامي فتح الله
وعبدالله مبارك وأحمد بن حسن بن جراد و بلقاسم حمودة شهر الرعاش وعبدالله الحسومي
ثم إلتحق بهم عمر بن خليفة بن رمضان.وكرد فعل على ما تعرض إليه أبناء المطوية
بتونس العاصمة من إيقافات نظرا لجرأتهم في التصدي لقوة المستعمر الغاشمة وتدمير
مؤسساته سارع أهالي المطوية إلى التكثيف من عمليات التخريب والحرق داخل المطوية
كقطع أسلاك الهاتف ونسف السكة الحديدية و تفجير البنية الأساسية من طرقات وجسور.
وأثناء إقامته بسجن القصبة حاول محمود الدريدي صحبة مرافقيه الذين كان من بينهم أحمد الصغير الذي تمكن من اسقاط طائرة بطلقة بندقية أثناء التفتيش عنه بجبال الجنوب التونسي في الثلاثينيات ومحمد بن محمود وامهذب والساسي بن الخادم وهم أصيلو مدنين فتح نفق يفضي إلى خارج السجن الذي يحاط بسورين ورغم أنهم تمكنوا من تجاوز السور الداخلي للسجن فإنهم عجزوا عن بلوغ مبتغاهم إذ أفسدت عليهم جماعة زرق العيون برنامج هروبهم بعد أن غادروا السجن خلسة.
وكانت يامنة بت العيادي عياد شقيقة زوجة محمود الدريدي تتولى بنفسها الإشراف على حمل قفة وجبات الأكل وما يحتاجه من مواد تنظيف وملابس وغيرها ورغم رقابة البوليس المشددة على القفاف الموجهة للسجناء من تفتيش مدقق على كل ما يتم جلبه إلى السجن فقد نجحت يامنة في إيصال الرسائل من وإلى محمود نظرا لحسن إحكامها إخفاء هذه الرسائل عن أنظار البوليس المكلف بالحراسة ومن خلال دور يامنة التي شكلت حلقة الربط بينه وبين العائلة يتجلى لنا جميعا مدى وعي المرأة المطوية بضرورة الوقوف إلى جانب الرجل في محنته وأن تناضل بشجاعة من أجل المساهمة من جانبها في الإستقلال التام .
وأثناء إقامته بسجن القصبة حاول محمود الدريدي صحبة مرافقيه الذين كان من بينهم أحمد الصغير الذي تمكن من اسقاط طائرة بطلقة بندقية أثناء التفتيش عنه بجبال الجنوب التونسي في الثلاثينيات ومحمد بن محمود وامهذب والساسي بن الخادم وهم أصيلو مدنين فتح نفق يفضي إلى خارج السجن الذي يحاط بسورين ورغم أنهم تمكنوا من تجاوز السور الداخلي للسجن فإنهم عجزوا عن بلوغ مبتغاهم إذ أفسدت عليهم جماعة زرق العيون برنامج هروبهم بعد أن غادروا السجن خلسة.
وكانت يامنة بت العيادي عياد شقيقة زوجة محمود الدريدي تتولى بنفسها الإشراف على حمل قفة وجبات الأكل وما يحتاجه من مواد تنظيف وملابس وغيرها ورغم رقابة البوليس المشددة على القفاف الموجهة للسجناء من تفتيش مدقق على كل ما يتم جلبه إلى السجن فقد نجحت يامنة في إيصال الرسائل من وإلى محمود نظرا لحسن إحكامها إخفاء هذه الرسائل عن أنظار البوليس المكلف بالحراسة ومن خلال دور يامنة التي شكلت حلقة الربط بينه وبين العائلة يتجلى لنا جميعا مدى وعي المرأة المطوية بضرورة الوقوف إلى جانب الرجل في محنته وأن تناضل بشجاعة من أجل المساهمة من جانبها في الإستقلال التام .
وفي النصف الثاني من سنة 1955 تم نقله إلى الجزائر أين قضى مدة
حوالي ستة أشهر بين كل من سجني الحراش والأصنام وهو يحمل رقم 1270 في سجنه
الإنفرادي وقد أحكمت إدارة السجن التي لا تسمح للمحكومين بتوجيه رسالة واحدة في
الأسبوع سيطرتها على مراقبة الرسائل الصادرة والواردة ولها حق حجزها ونظرا للرقابة
المشددة على الرسائل يعمد محمود الدريدي إلى الإقتصار على فحوى الرسالة بالتعرف على
أحوال العائلة دون التعرض إلى ظروف الإقامة خشية إتلاف الرسالة من طرف إدارة السجن.
ومن ألطاف الله سبحانه أن نجا محمود الدريدي من موت محدق بعد أن تعرض سجن الأصنام لزلزال مدمر حيث اقتصرت الأضرار على انهيار بعض البناءات ومقتل مدير السجن وإصابة بعض المحكومين بإصابات خفيفة وكان قد ربط علاقة صداقة خلال إقامته بالجزائر مع الجزائري ربان رمضان الذي تمكن من الفرار من السجن والعودة للانضمام مجددا إلى المقاومة الوطنية
ومن ألطاف الله سبحانه أن نجا محمود الدريدي من موت محدق بعد أن تعرض سجن الأصنام لزلزال مدمر حيث اقتصرت الأضرار على انهيار بعض البناءات ومقتل مدير السجن وإصابة بعض المحكومين بإصابات خفيفة وكان قد ربط علاقة صداقة خلال إقامته بالجزائر مع الجزائري ربان رمضان الذي تمكن من الفرار من السجن والعودة للانضمام مجددا إلى المقاومة الوطنية
وقد عثرنا لدى العائلة على
مجموعة هامة من الرسائل التي تولى محمود بنفسه تحرير مضمونها أيام مكوثه داخل
السجن وهي عبارة عن قطع ورقية مختلف الأحجام وبخط يكاد لا يمكن فك رموزه في بعض
الأحيان نظرا لتآكل بعضها وجفاف حبرها ولئن كان محتوى هذه الرسائل في الغالب يتركز
على المتابعة الدقيقة لأحوال العائلة فإن إحدى هذه الرسائل لفتت انتباهي نظرا لما
تضمنه من رموز وقد خانت ذاكرة محمود فك رموزها واستعادة فحواها فهذه الرسالة
المؤرخة في 25 جويلية 1955 تضمن مجموعة من الكلمات وبين الكلمة والأخرى نقاط مكررة
وأنقلها بأمانة كما وردت في الرسالة وتتمثل كالتالي : ص شمام .آف...تلقرام
..عاشورة ..احتجاج ..ب ..إرادتي نافذة ..مسؤولية الاضطراب .. عرضت .
وفي رسالة موجهة لأخيه المبروك بتاريخ 23 مارس 1955 يذكر فيها بأنه شرع صحبة رفاقه في متابعة التعليم بشراهة واعتناء وممارسة التربية البدنية وكرة القدم وهذا الإهتمام كفيل بأن يجعل من التونسي مواطنا صالحا لوطنه
وفي رسالة موجهة لأخيه المبروك بتاريخ 23 مارس 1955 يذكر فيها بأنه شرع صحبة رفاقه في متابعة التعليم بشراهة واعتناء وممارسة التربية البدنية وكرة القدم وهذا الإهتمام كفيل بأن يجعل من التونسي مواطنا صالحا لوطنه
وفي إحدى رسائله الموجهة من داخل
السجن إلى أحد أفراد عائلته كان حدسه تحرير تونس من براثن الإستعمار الفرنسي ونيل
الإستقلال التام حيث يشير إلى في هذه الرسالة أنه بعد دجى الليل يبزغ الفجر الجميل
الباسم ويعقبه شعاع الشمس المضيئة ويضيف قائلا أننا سننسى أيام الشدة حيث تجرعنا
المر بصبر وثبات .
وعلى إثر إطلاق سراحه انضم إلى هيئة شعبة ترنجة طيلة عشر سنوات تحمل خلالها العديد من المسؤوليات الحزبية منها صفة مساعد كاتب عام ومكلف بالشباب ومسؤول عن المقاومين .
نشاطـه الجمعياتي:ساهم محمود الدريدي في بعث عدة منظمات وجمعيات أشرف على تسييرها أبناء المطوية وذلك على غرار الشباب الرياضي المطوي الذي جمع بين ألعاب القوى وكرة القدم والملاكمة وسباق الدراجات الرياضات بالإضافة إلى جمعية كفالة المطويين بتونس والنادي المطوي للتعارف والتعاون والجمعية التعاضدية لبناء منتزه شاطئ حيدوس بالمطوية كما حرص على مواكبة ملتقيات التنمية والتظاهرات الثقافية بالمطوية أو بتونس العاصمة والمساهمة في أشغالها بتقديم المقترحات والتصورات الرامية إلى دفع أوجه التنمية في ربوع المطوية وسعى بمعية العديد من أبناء المطوية إلى حث الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية على رصيف المسافرين بمحطة القطار بالعوينات وتعبيد المسلك الرابط بين الطريق الوطنية رقم 1 وشاطئ المطوية.
وإلى جانب انضمامه إلى صنف أكابر كرة القدم للشباب الرياضي المطوي سنة 1946 تألق في رياضة الملاكمة تحت إشراف الجيلاني كعبورة ممرن الجمعية التونسية للملاكمة فتحصل على بطولة تونس خلال الموسم 1947 / 1948 وفي 22 جانفي 1948 خاض الدور النهائي لبطولة شمال إفريقيا بالجزائر مع ٌ روبير كوهين ٌ وانهزم في هذا اللقاء نظرا لإنحياز لجنة التحكيم للملاكم المنافس رغم ما يمتلكه محمود من خاصية سرعة الضرب وما أظهره من صلابة ويذكر محمود أن تقدم إليه ٌ مورنينق ٌ رئيس جامعة الملاكمة بشمال إفريقيا إثر إنتهاء هذه المقابلة قائلا : (Trés bien) فرد عليه بالقول (C'est le résultat qui compte).
وكانت لمحمود الدريدي علاقة صداقة متميزة مع المرحوم الأديب محمد العروسي المطوي ويكاد يكون ظله اليومي ومنذ إتمام النادي المطوي للتعارف والتعاون لبناء المركب الثقافي فضاء الأديب محمد العروسي المطوي لم يتردد محمود الدريدي عن تقديم المساعدة في جمع ما أهداه الشيخ المطوي من مكتبته الخاصة وحملها إلى مسقط الرأس المطوية ومصاحبة الشاحنة المحملة للكتب والمراجع للإطمئنان على وصول هذه الهدية الثقافية إلى مكانها ولم يدر بخلده ما يسطره القدر فقد تعرض خلال شهر فيفري 1999 إلى حادث مرور حيث بترت ساقه اليمنى فلا راد لقضاء الله .
وعلى إثر إطلاق سراحه انضم إلى هيئة شعبة ترنجة طيلة عشر سنوات تحمل خلالها العديد من المسؤوليات الحزبية منها صفة مساعد كاتب عام ومكلف بالشباب ومسؤول عن المقاومين .
نشاطـه الجمعياتي:ساهم محمود الدريدي في بعث عدة منظمات وجمعيات أشرف على تسييرها أبناء المطوية وذلك على غرار الشباب الرياضي المطوي الذي جمع بين ألعاب القوى وكرة القدم والملاكمة وسباق الدراجات الرياضات بالإضافة إلى جمعية كفالة المطويين بتونس والنادي المطوي للتعارف والتعاون والجمعية التعاضدية لبناء منتزه شاطئ حيدوس بالمطوية كما حرص على مواكبة ملتقيات التنمية والتظاهرات الثقافية بالمطوية أو بتونس العاصمة والمساهمة في أشغالها بتقديم المقترحات والتصورات الرامية إلى دفع أوجه التنمية في ربوع المطوية وسعى بمعية العديد من أبناء المطوية إلى حث الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية على رصيف المسافرين بمحطة القطار بالعوينات وتعبيد المسلك الرابط بين الطريق الوطنية رقم 1 وشاطئ المطوية.
وإلى جانب انضمامه إلى صنف أكابر كرة القدم للشباب الرياضي المطوي سنة 1946 تألق في رياضة الملاكمة تحت إشراف الجيلاني كعبورة ممرن الجمعية التونسية للملاكمة فتحصل على بطولة تونس خلال الموسم 1947 / 1948 وفي 22 جانفي 1948 خاض الدور النهائي لبطولة شمال إفريقيا بالجزائر مع ٌ روبير كوهين ٌ وانهزم في هذا اللقاء نظرا لإنحياز لجنة التحكيم للملاكم المنافس رغم ما يمتلكه محمود من خاصية سرعة الضرب وما أظهره من صلابة ويذكر محمود أن تقدم إليه ٌ مورنينق ٌ رئيس جامعة الملاكمة بشمال إفريقيا إثر إنتهاء هذه المقابلة قائلا : (Trés bien) فرد عليه بالقول (C'est le résultat qui compte).
وكانت لمحمود الدريدي علاقة صداقة متميزة مع المرحوم الأديب محمد العروسي المطوي ويكاد يكون ظله اليومي ومنذ إتمام النادي المطوي للتعارف والتعاون لبناء المركب الثقافي فضاء الأديب محمد العروسي المطوي لم يتردد محمود الدريدي عن تقديم المساعدة في جمع ما أهداه الشيخ المطوي من مكتبته الخاصة وحملها إلى مسقط الرأس المطوية ومصاحبة الشاحنة المحملة للكتب والمراجع للإطمئنان على وصول هذه الهدية الثقافية إلى مكانها ولم يدر بخلده ما يسطره القدر فقد تعرض خلال شهر فيفري 1999 إلى حادث مرور حيث بترت ساقه اليمنى فلا راد لقضاء الله .
ولم يتلق مساعدة مادية تذكر رغم
دوره في تحرير الوطن واسترجاع عزته وكرامته.
البشير
التيجاني الرقيقي